 |
المحاسب القانوني ناصر التاج |
من هي " ملكة المحاسبة " بين فروعها .؟
إذا أردنا أن نُسقِط المصطلحات الملكية على فروع المحاسبة، فإنني وبكل قناعة مهنية وثقافية .. أرى أن المحاسبة المالية هي ملكة المحاسبة بلا منازع.
لماذا المحاسبة المالية هي الملكة.؟
1- هي الأصل، والمركز، والجذر الذي تتفرع منه كل الفروع..
المحاسبة الإدارية، محاسبة التكاليف، المحاسبة الحكومية، المحاسبة الضريبية، المحاسبة القومية، حتى المراجعة....الخ. كلها خرجت من رحم المحاسبة المالية، وتطورت لاحقاً لتخدم أهدافاً جزئية أو متخصصة.
لأنها العمود الفقري، والأساس الذي يَبتني عليه النظام المحاسبي الكلي.
2 - هي لغة التواصل الرسمي المعترف بها بين المنشأة والعالم الخارجي...المستثمر، البنك، الحكومة، السوق المالي، المراجع، وحتى القضاء… كلهم لا يعترفون إلا بالقوائم المالية المعدّة وفقًا لإطار المحاسبة المالية ( IFRS أو GAAP ).
من دون المحاسبة المالية، لا تستطيع الشركة أن تتكلم مع أي جهة ذات علاقة.
3 - هي المجال الذي نَضَج فيه الفكر المحاسبي النظري والمفاهيمي..
فالإطار المفاهيمي للمحاسبة بكل أركانه ( الاعتراف، القياس، العرض، الإفصاح، الخصائص النوعية ) يتأسس أولًا في المحاسبة المالية.
المبادئ مثل الاستحقاق، الوحدة المحاسبية، الاستمرارية، الحيطة والحذر…الخ كلها مفاهيم نُحِتَت وتبلورت داخل قصر المحاسبة المالية.
4 - المحاسبة المالية هي من تُلزم الجميع بالانضباط..
هي التي تضع القواعد ( المعايير )، وهي التي تحكم الصياغة النهائية للتقارير.
باقي الفروع غالبًا ما تكون مرنة وقابلة للتكيّف مع ظروف كل منشأة، لكن المحاسبة المالية لا ترحم... إنها ملكة صارمة.
5 - كل الفروع تُسلّم تقاريرها في النهاية إلى بلاط الملكة ( المحاسبة المالية ).
فمثلاً :
محاسبة التكاليف تُنتج معلومات تساعد في التقييم الداخلي، لكنها لا تُعرض للمستثمر.
المحاسبة الإدارية تخدم الإدارة فقط.
أما المحاسبة المالية؟ فهي التي تصيغ ( قائمة المركز المالي ، قائمة الدخل ، التدفقات النقدية ، التغير في حقوق الملكية ،و الإيضاحات ) .. الوثائق الرسمية التي يُحاكم بها أداء المنشأة في المحاكم والأسواق.
ماذا عن " رئيسة الوزراء " أو " سيدة الظل " .؟
لو أردنا أن نُسند منصب رئيسة الوزراء لفروع المحاسبة، فقد تكون المحاسبة الإدارية، لأنها تدير الواقع الداخلي بذكاء، لكنها تظل في الظل، لا تظهر للعامة.
والمراجعة قد تكون " الملكة الأم " التي تراقب وتبارك وتُراجع قرارات الملكة .. لكنها لا تحكم.
هل يمكن القول أنه " لا توجد ملكة " .؟
ربما ، هناك من يرى أن:
" كل فرع يؤدي وظيفة مختلفة ولا يمكن تفضيل أحدهم على الآخر. "
لكن هذه نظرة وظيفية بحتة، ميكانيكية بلا روح.
أما في الفكر المحاسبي الفلسفي، فإننا نُقَدّس المركز، وننظر للهيكل بشمول. ومن هنا، تصبح المحاسبة المالية ملكةً لأنها:
تجمع وتربط، وتعرض وتمثّل، وتُحاسِب وتُقيِّم، وتُفصح وتُلزِم.
بشكل عام :
المحاسبة المالية هي ملكة المحاسبة، لأنها اللغة الرسمية، المرجعية المعيارية، أصل الانبثاق، ومصبّ كل الفروع.
ملكة صارمة، واضحة، موضوعية، لا تتحيز، تتحدث بلغة السوق والعدالة، وتُمارس سلطتها من خلال القوائم المالية المدققة.
تعليقات: 0
إرسال تعليق